\14q-0.htm |
'فإذا دخلتم، قدموا أحسنكم وجها، وأرجحكم عقلا، وإذا نطقتم ميزتكم ألسنتكم، فاجتهدوا في أن يكون ذلك الواحد راجح العقل وسيماً، جسيماً، يملأ العيون المتشوقة إليه، فلا تقتحمه، ويشرف على تلك الخلقة المتصدية فلا تستصغره'. رحم الله عمر بن الخطاب الخليفة الراشدي، فقد قال ذلك ناصحا رجاله الذين كان يوفدهم من قبله، كما لو كان يشرح بعض الأسس التي يجب أن يكون عليها الدبلوماسي، ومن المعروف ذلك القول الذي مله الجميع عن أن الدبلوماسية: 'هي كلمة يونانية اشتقت من كلمة دبلوم أو دبلون، ومعناها طبق أو طوى أو ثنى فلقد كانت تختم جميع جوازات السفر ورخص المرور على طرق الإمبراطورية الرومانية، وقوائم المسافرين والبضائع على صفائح معدنية ذات وجهين مطبقين ومخيطين معاً بطريقة خاصة، وكانت تذاكر المرور هذه تسمى دبلومات، واتسعت كلمة دبلوما حتى شملت وثائق رسمية غير معدنية وهي التي تمنح المزايا أو تحتوي على اتفاقات مع جماعات أو قبائل أجنبية'. وإذا بحثت عن تعريف للدبلوماسية فسوف تقرأ فورا تعريف ارنست ساتو: 'ان الدبلوماسية هي استعمال الذكاء والكياسة في إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقلة'. وتعريف هارولد نيكلسون الذي يقول ان: 'الدبلوماسية هي إدارة العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات أو طريقة معالجة وإدارة هذه العلاقات بواسطة السفراء والممثلين الدبلوماسيين، فهي عمل وفن الدبلوماسيين'. وحتى لا نتهم بأننا نميل إلى الغرب نسوق تعريف مأمون الحموي بأن 'الدبلوماسية هي ممارسة عملية لتسيير شؤون الدولة الخارجية، وهي علم وفن، علم بما تتطلبه من دراسة عميقة للعلاقات القائمة بين الدول ومصالحها المتبادلة ومنطوق تواريخها ومواثيق معاهداتها من الوثائق الدولية، في الماضي والحاضر وهي فن لأنه يرتكز على مواهب خاصة عمادها اللباقة والفراسة وقوة الملاحظة'. لما كان كل ذلك ينسف كل ما حدث في مدينة بنغازي بعد عشرة أيام من انطلاق ثورة 17 فبراير في ليبيا في مبنى القنصلية المصرية في بنغازي من القنصل المصري (لن أّذكر اسمه ليس خوفا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولكن تصغيرا لشأن هذا الشخص الذي يشغل منصب قنصل مصر في ليبيا) فقد أرسل هذا الشخص/القنصل اثنين من معاونيه إلى بعثة الإغاثة والمساعدات الطبية في خيمة البعثة الطبية في ميدان الشهداء (المحكمة سابقا) يطلب مقابلتهم، فذهب بعض أفراد البعثة (وكانوا كلهم من الذين اشتركوا في المستشفيات الميدانية في ثورة 25 يناير في قلب ميدان التحرير) يتقدمهم أكبرهم سنا ومقاما وخبرة الدكتور أسامة، وكان معهم بعض الأفراد الليبيين من الذين تعرفوا عليهم وصادقوهم وقدموا لهم كرمهم، وبادرهم القنصل المصري وهو يأمرهم بالعودة فورا إلى مصر، وأنه سوف يجهز لهم حافلات تعيدهم إلى مصر فورا، فأفهم شباب ثورة 25 يناير بأنهم جاءوا إلى بنغازي وأجدابيا والبريقة، لتقديم المساعدات الطبية والاشتراك في إغاثة أشقائهم الليبيين الذين يتعرضون للإبادة الجماعية من كتائب القذافي، وهنا اندفع القنصل الذي يمثل الحكومة المصرية بعد الثورة بالصراخ والتهديد قائلا بالحرف الواحد: 'يكون في علمكم أنا صديق كل قيادات اللجان الثورية في بنغازي وأقدر أخلي اللجان الثورية يلموكم كلكم ويضربوكم ويرموكم على الحدود'. كاد الأفراد الليبيون الموجودون أن يفتكوا بالقنصل، لكن شباب الثورة المصرية استطاعوا حمايته وصحبوا أصدقاءهم الليبيين وعادوا من حيث أتوا إلى مستشفاهم الميداني وخيمتهم في ميدان الشهداء. هذه الواقعة التي كنت شاهدا عليها، حيث كانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أدخل فيها مبنى قنصلية (أو سفارة) مصرية، هذه الواقعة تجعل كل من يتأمل وضع وزارة الخارجية قليلا يرى مدى التردي الذي وصل إليه حالها، وسوف نعود إلى هذا الأمر بعد ذلك، وإن كان هذا التردي الذي استمر طوال 42 عاما ليشمل عهد الرئيس الأسبق (المقتول) وعهد خلفه الذليل (المخلوع) هو الذي أدى إلى ترشيح الدكتور مصطفى الفقي لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية خلفا لعمرو موسى، الذى ستنتهي فترة ولايته الثانية فى شهر ايار/مايو المقبل، وقال الدكتور نبيل العربي (زميل السادات في كامب ديفيد) وزير الخارجية في تصريحاته، إن 'تاريخ الفقي الدبلوماسي والعلمي يجعله المرشح الأنسب لشغل هذا المنصب في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ جامعة الدول العربية'، ورحب 'المجلس المصري للشؤون الخارجية' بالقرار، داعيا الدول العربية إلى تأييد المرشح المصري لـ'إسهاماته الفكرية حول القضايا العربية'، وقال المجلس في بيانه: 'نرحب بهذا الترشيح، خاصة في هذا الوقت الذي تمر به الأمة العربية بأحداث تحتاج إلى الجامعة العربية لتحقيق الوفاق القومي، ومواجهة التحديات'. غير أن ناشطين مصريين أعلنوا رفضهم ترشيح السلطات المصرية للدكتور مصطفى الفقي لمنصب الأمين للجامعة العربية، متهمين إياه بأنه جزء من النظام السابق وأحد رموزه ولا يعبر عن مصر ما بعد الثورة. وجاء في بعض البيانات لإحدى الحركات المكونة لائتلاف شباب الثورة، في بيان لها بأنها تعبر عن رفضها التام وتحفظها على طرح اسم مصطفى الفقي مرشحا مصريا لجامعة الدول العربية، وقالت في بيانها: 'لا نقبل أبداً من حكومة تمثل الثوار والثورة وشرعيتها أن ترشح شخصية عاشت ورضيت وخدمت في نظام الفساد والفشل على مدى أعوام ليمثل مصر أمينا عام لجامعة الدول العربية'. وسوف نأخذ ترشيح الحكومة المصرية للدكتور مصطفى الفقي أمينا لجامعة الدول العربية على محمل الجد، مع أني لم آخذ مصطفى الفقي نفسه بجدية طوال عمره، وكنت أعتبر كل ما يقوله أو يكتبه دائما مبررا للانتهازية والتسلق على سلم السلطة ـ أية سلطة ـ منذ أن حصل على 'كأس الخطابة' سنة 1965 في أسبوع شباب الجامعات، حيث كان في هذه الفترة قد تم القبض في سورية على الجاسوس الإسرائيلي إلياهو بن شاؤول كوهين الذي هو إيلي كوهين اليهودي الذي ولد بالإسكندرية واكتشف أمره وأعدم عام 1965، ثم عمل الفقي سكرتيرا لرئيس مصر السابق 'المخلوع'، للمعلومات في ما بين 1985 و1992 وأحد المتحدثين الأساسيين في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الدولي في 'دافوس' بسويسرا في كانون الثاني/يناير 1995، فقد كان دائما يسهب ويطنب ويجلجل بفجاجة عن العروبة التي كان يقودها 'زعيم الأمة العربية' جمال عبد الناصر، وبعد ذلك عن 'حكمة الرئيس المؤمن' أنور السادات، ثم اكتشف قبل ثورة 25 فبراير المجيدة 'أن الرئيس مبارك لم يُقدم إعلاميا للمصريين بالشكل المناسب، وهو ليس كما يقول خصومه، وهو شخص بسيط ورجل وطني من الطراز الأول'، ويقدم اكتشافه الأهم أن: 'الرئيس القادم لمصر لابد أن يكون بموافقة أمريكية وإسرائيلية'، وبالتأكيد فإن الفقي مازال عند قناعته بأن الرئيس القادم لمصر سوف يأتي بموافقة أمريكية وإسرائيلية، حيث كانت الاتهامات قد انهالت من أقطاب الحزب الوطني (الحاكم سابقا والفاسد حاليا وسابقا) وكتابه الذين كانوا هم المتنفذين على رقاب الصحف والمجلات القومية، الدكتور مصــــطفى الفقــي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري (سابقا)، وهو عضو مجلس الشعب عن انتخابات سنة 2005 عن دائرة دمنهور وكان قد أعلن سقوطه قي الانتخابات بادئ الأمر، ثم أعلن فوزه بعد ذلك، وثار لغط كبير بسبب شهادة المستشارة نهي الزيني، التي أيدها نادي القضاة و137 قاضيا بأن إجمالي عدد الأصوات كان لصالح منافسه د. جمال حشمت المرشح المستقل، أما السبب الذي جعلني آخذ ترشيح 'الدكتور' الآن على محمل الجد فسوف يتضح حالا: الدكتور الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان (سابقا)، كان قد اعترف في خطبته العصماء أمام اللجنة بتراجع 'دور مصر الإقليمي' وبرر هذا بأنه 'قرار إرادي' أي أنه تم بموافقة القيادات السياسية في مصر، والعهدة في ذلك على الصحف القومية، حيث أضاف الفقي في محاضرته بمركز الدراسات الحضارية وحوار الحضارات التابع لجامعة القاهرة، 'أن العرب ينظرون للمصريين دائما على أنهم إما فراعنة أو عملاء لإسرائيل'، وأنه يعتقد أنه 'لا مستقبل للعروبة، كما أن إيران تحاول وراثة الدور المصري في المنطقة'، واعترف الفقي بأنه على الرغم من عدم إيمانه بالعروبة، إلا إنه مضطر 'للهرتلة بكلمتين' في المؤتمرات التي يدعى إليها للحديث عن الموضوع، وأكد أن مصر هي التي قررت ألا تحشر 'نفسها في أي شيء'، وهو هنا بالطبع يتحدث عن مصر/ نظام الحكم في عهد المخلوع (لا أدري كيف سيوافق العرب على رئاسة الفقي لجامعتهم ولا أدري من أين أتت الشجاعة للحكومة المصرية لترشيح شخص مثل الفقي) الحكومة المصرية في نظام الحكم في عهد المخلوع، كما يقول الفقي كانت السبب الوحيد لـ'تراجع دور مصر الإقليمي' فأنا أصدقه في ما قاله، ربما لأول مرة، في قوله ان هذا التراجع هو 'قرار إرادي'، أي أنه تم بموافقة القيادات السياسية في مصر. وأضيف عليه 'مع سبق الإصرار والترصد'، ففي كل عصور الانحطاط وفي ظل أي نظام حكم فاسد كان المد العروبي يتراجع دائما إلى أقصى درجات الجزر، ولم تجد 'العروبة' من يدافع عنها في مصر إلا في فترة حكم جمال عبد الناصر، حيث تبلور ـ في هذه المرحلة من تاريخ مصر ـ دور مصر القومي والإقليمي والعالمي، وقبل فترة حكم ناصر لم تكن لمصر طوال تاريخها أية مساهمات في القضايا العربية ولا حتى الحضارة العربية على شمولها، على الرغم من أن أمثال الفقي يرطنون باللغة العربية التي أهداها العرب إلى مصر، فأصبح لمصر أدب وأدباء ومفكرون عظام وأصبح وجود مصر متحققا في اللغة العربية، كما تتحقق شعوب كل الأمم في لغاتها، وامتزج نهر الحياة في مصر بأمواج الحضارة العربية التي ازدهرت على يد الأمويين وعاصمتهم دمشق والمؤسس الأكبر معاوية بن أبي سفيان حيث قال الحافظ بن كثير ان: 'سوق الجهاد كانت قائمة في بني أمية'، ويعترف المسيحي جورجي زيدان بذلك فيقرر أنه: 'لم يبلغ العرب من الغزو والسؤدد ما بلغوا إليه في أيام هذه الخلافة، وقد تكاثروا في عهدها، وانتشروا في ممالك الأرض'، ومن بعد دولة الأمويين جاءت الدولة العباسية وعاصمتها بغداد عندما ظهر أبو مسلم الخراساني الإيراني في إيران يدعو لقيام دولة العباسيين، وبعده تمكن 'العباسيون' من بناء دولتهم التي احدثت تغييرات وتطورات سياسية واجتماعية وثقافية في منطقة الشرق الأوسط، وفي الحضارتين كانت مصر مشاركة بالأخذ وليس بالعطاء، ولم يكن لها أي دور، بل كان الدور الرئيسي في دعم الحضارة العربية إبان الدولة العباسية لـ'إيران'، ومصر لم تكن دولة محورية في المنطقة منذ تلاشي دولة الفراعنة وبداية الفتح العربي لمصر سنة 640 للميلاد، حيث كانت مصر تئن تحت وطأة الحكم البيزنطي خاضعة مباشرةً للإمبراطور البيزنطي في القسطنطينية، إلى أن خلصها العرب وتمت عملية غسيل الدم العربي للشعب المصري وأهداها العرب اللغة/الوجود، كما أن مصر لم تكن دولة محورية إلا في فترة المد العروبي أيام حكم جمال عبد الناصر، حيث بدأ هذا الدور المحوري في التآكل والضياع تحت حكم السادات إلى أن ضاع تماما هذا الدور المحوري تحت حكم نظام الحكم الحالي، فمصر الآن لم تعد دولة محورية في خريطة الشرق الأوسط وان سمعتها أصبحت على المحك، مما سبب صعود قوى إقليمية منافسة لها مثل 'إيران' فصوت مصرـ كان تحت حكم نظام الحكم الفاسد في عهد ماقبل ثورة 25 يناير ـ قد خفت ولم تعد مؤثرة في مجريات الأحداث، خاصة أن 'إيران' أظهرت مهارة دبلوماسية عالية ودعما للمواقف العربية في القضايا العربية التي تمس الوجود العربي في مواجهة أمريكا وإسرائيل، فـ'إيران' كانت بالأمس دولة محورية وهي اليوم تحاول أن تظل كذلك هذا إن لم تكن هي 'الدولة المحورية' في المنطقة التي تواجه الأطماع الصهيونية والأمريكية في المنطقة، ويكفي أن نراجع هنا بعض القضايا التي فشل فيها نظام الحكم الفاسد السابق. والآن لا يرى الرأي العام في المنطقة حلا للمشكلات في المنطقة العربية سواء في لبنان أو العراق أو فلسطين، أو حتى الإقليمية في أفغانستان ثم البحرين وسورية، إلا إذا أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على كسب إيران (الدولة المحورية) بالتفاهم معها على حلول لكل مشكلات المنطقة، لان ذلك يظل أقل ثمنا من العمل على كسرها بحرب تشعل المنطقة بأسرها، وتكون حرب دمار وخراب للجميع، وتشكل مغامرة تذهب بالمنطقة إلى المجهول. وليس أمام الولايات المتحدة إلا أحد حلين للخروج من أزمتها مع إيران، أحدهما العمل على كسبها والاعتراف الكامل بدورها المحوري في المنطقة والموافقة على إعطائها نفوذا في دول معينة كي توضع المشكلات الكثيرة على طريق الحل، وإما اللجوء إلى الحرب لكسرها وهذا غير مضمون النتائج ومكلف جدا. أكد الدكتور مصطفى الفقي أن تراجع الدور المحوري لمصر تم بأمر النظام المصري نفسه عربيا وإقليميا، ومهما حاولت 'هرتلات' مصطفى الفقي وأقرانه تبريرات هذا الانهيار الذي يعكس بقوة بعض أسباب انهيار نظام الحكم الفاسد السابق، ومن المؤكد أن مصطفى الفقي سوف يحاول الحصول على كأس الخطابة في خطبته العصماء لنظام الحكم الجديد في المرحلة الانتقالية، وحتى تتخلص الحكومة المصرية (بعضها خليط من نظام السادات المقتول، وبعضها خليط من نظام الذليل المخلوع) من إلحاح ولزوجة زميلهم السابق (وأستاذ بعضهم) مصطفى الفقي فقد أرادوا التخلص منه بإلقائه على جامعة الدول العربية كما فعل الذليل (المخلوع) قبل ذلك مع عمرو موسى، الذي ظل بدوره أمينا ومخلصا لسيده (المخلوع) حتى اليوم. وإذا كان ميثاق الأمانة العام للجامعة العربية ينص في مادته الثانية عشرة على أن تعيين الأمين العام للجامعة يتم بموافقة ثلثي الدول الأعضاء، وأن الجامعة تتلقى الترشيحات من الدول المختلفة وتقوم بعرضها في مذكرة، وتتم إضافتها كبند خاص يعرض ضمن جدول أعمال القمة العربية المقبلة، حيث تقرر القمة تعيين الأمين العام للجامعة بموافقة ثلثي الدول الأعضاء، فهل تحاول الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية إيقاف تصدير الفاسدين لرئاستها؟ أم أنها سوف تقبل مصطفى الفقي أمينا للجامعة العربية حتى تستمر الجامعة العربية بمباركة فساد الأنظمة العربية التي تقف بقوة هذه الأيام في مواجهة شعوبها التي بدأ يتسرب لها 'فيروس' الحرية؟ ' كاتب وروائي مصري |