2011-04-01 |
'المؤامرة كبيرة.. ونحن لا نسعى لمعارك وإذا فرضت علينا المعركة اليوم فأهلا وسهلا بها'، هذه هي العبارة الأكثر وضوحا في خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، الذي خصص لمناقشة المظاهرات الاحتجاجية التي اجتاحت عددا من المدن السورية خلال الأسبوعين الماضيين. الأسد الذي صمت أسبوعين كاملين منذ بدء الاحتجاجات في مدينة درعا برر هذا الغياب بقوله: 'أنا تأخرت بإلقائها بشكل مقصود ريثما تكتمل الصورة في ذهني..'، إلا إن الخطاب جاء خاليا من المضامين التي ينتظرها السوريون الذين كانوا يطالبون بالحرية وإنهاء هيمنة حزب البعث على الحياة السياسية وهيمنته على الدولة والمجتمع، وتعديل الدستور، وإلغاء قانون الطوارئ وإقرار قوانين جديدة للإعلام والأحزاب والانتخاب يمهد لمرحلة جديدة في الحياة السياسية السورية. خطاب الرئيس الأسد جاء مخيبا للآمال واقل من التوقعات التي بشر بها نائبه فاروق الشرع، الذي تحدث عن خطاب 'مهم'، ولا يعكس تلك التصريحات الحيوية والسريعة لمستشارته بثينة شعبان التي بشرت بدروها بإصلاحات سريعة أقرتها القيادة القطرية لحزب البعث تتضمن 'وضع آليات جديدة وفعالة لمحاربة الفساد ودراسة إنهاء العمل بقانون الطوارئ بالسرعة الكلية وإعداد مشروع لقانون الأحزاب وإصدار قانون جديد للإعلام وتعزيز سلطة القضاء ومنع التوقيف العشوائي'، وحين سئلت عن توقيت تنفيذ هذه القرارات، أجابت 'اليوم هو توقيت البدء بتنفيذها.. والأسبوع القادم ربما'يكون هناك تنفيذ لقرارات أخرى'، وأردفت 'إن التوقيت والسرعة هما من صلب هذه القرارات'. الرئيس السوري بدا وكأنه تراجع عما تحدثت به مستشارته، واعترف بأن 'الدولة طرحت وعودا بالإصلاح لم تنفذها'،.. وهذا يعكس تباعد الشقة بين السرعة التي تحدثت عنها بثينة شعبان وبطء الرئيس الأسد، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة على آلية صناعة القرارات ومدى مصداقيتها، ففي الوقت الذي لامست مستشارة الرئيس القضايا الأساسية للتظاهرات بدا خطاب الأسد خارج السياق ويفتقر للعمق وكأنه ليس على صلة بما يجري في المدن السورية. لا أريد القفز إلى استنتاجات غير سليـــــمة، لكن الخطاب حــــمل في طياته مجموعة من المتناقضات الخطيرة، فقد اعتـــــرف بأن العالم العــــربي يشهد 'تحولات كبرى ومهمة ستترك تداعياتها على كل المنطــــقة من دون استثناء'، واقر 'بان سورية ليست بلداً منعــــزلا عما يحـــصل في العالم العربي ونحن جزء من هذه المنطقة نـــتفاعل نؤثر ونتأثر'، لكنه اعتبر أن 'سورية ليست نسخة عن الدول الأخرى'.. وأنها تتعرض لمؤامــــرة كبيرة خيـــــوطها تمتد من دول بعيدة ودول قريبة ولها بعــــض الخيوط داخــل الوطن'، وان المتآمرين 'قاموا بالخلط بين ثلاثة عناصر: الفتنة والإصلاح والحاجات اليومية'. الأسد ذهب إلى اعتبار ما يجري في العالم العربي عبارة عن موجة و'تحولات' وليس ثورات، وربما كان اغرب وصف استخدمه الرئيس السوري هو اعتبار هذه التحولات مجرد صرعات بقوله: 'هناك صرعة جديدة اليوم هي ثورات بالنسبة لهم ونحن لا نسميها كذلك'، وهذا مصطلح خطير 'فالصرعة' في المفهوم الشعبي تشير إلى تقليعة في الأزياء أو قصات الشعر، والصرعات عادة ما تكون سريعة الانتشار والتأثير، وإذا أخذنا هذا المصطلح على ظاهره فان 'صرعة الثورة' انطلقت من تونس وامتدت إلى مصر وأطاحت برئيسين وهي تهز عرشي القذافي وعلي صالح في ليبيا واليمن، ولذلك فهي 'صرعة خطيرة'ومتفجرة سريعة الاشتعال'، لا يمكن اعتبارها 'حربا افتراضية' كما جاء في الخطاب الذي قال فيه 'نحن أفشلنا الهزيمة الافتراضية المخططة في عام 2005'. خطاب الأسد دار حول مشاكل السوريين ولم يناقشها، وتفنن بالحديث، لكنه لم يناقش القضايا الجوهرية ومطالب الشعب التي دفعته للخروج الى الشوارع، والرئيس تنكب الطريق رغم حديثه عن' بوصلة الشارع والوطن' التي يبدو ان إبرتها تشير إلى اتجاه غير الاتجاه الذي ينظر إليه'. كاتب فلسطيني - مصدر المقال : القدس العربي اللندنية |