كنا ننتظر أن يهب وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري لنجدة تسعين ألف مغربي عالقين في ليبيا بين قصف قوات التحالف وبنادق العقيد معمر القذافي وأتباعه. لكن المفاجأة هي أن سعادة الوزير أشاح بوجهه عن ليبيا وجمع حقائبه وذهب إلى واشنطن لكي يلتقي هيلاري كلينتون وصقريها «ويليام بورنز» و«جفري فيلتمان»، ويعطي حوارات للقنوات التلفزيونية الأمريكية يشرح فيها المشروع المغربي الإصلاحي للدستور.
وبينما تكفل الطيب الفاسي الفهري ببيع جلد الدب للأمريكيين حتى قبل اصطياده، رأينا كيف ذهب أربعة وزراء مغاربة آخرين إلى باريس لكي يبيعوا السمك في البحر لنيكولا ساركوزي.
إنها لمهزلة حقيقية أن يسارع كل هؤلاء الوزراء إلى «بيع» مشروع الدستور المقبل للأوربيين والأمريكيين حتى قبل أن يتوصل رئيس اللجنة باقتراحات الأحزاب السياسية حول الإصلاحات الدستورية المنتظرة، وحتى قبل أن تشرع اللجنة في التشاور مع ممثلي الشعب وقواه الحية، أي المعنيين الأصليين بهذا الدستور الجديد. «حتى يزيد وسميه سعيد».
هذا التسرع من جانب المغرب الرسمي لتسويق بضاعة لم تظهر في السوق بعد، يعكس في الواقع استفحال عقدة الأجنبي لدى من يحكمونا، وعدم استيعابهم بعد للمتغيرات التي تحدث حولهم في العالم العربي.
وإذا كان هناك من درس يجب استخلاصه مما حدث في تونس ومصر، ومما يحدث في ليبيا والأردن وسوريا واليمن، فهو أن أول وآخر من يجب الاحتكام إلى رأيه والتشاور معه حول الدستور الذي يجب أن يكون لديه هو الشعب وقواه الحية، وليس باريس أو واشنطن أو أي عاصمة أوربية أو غربية أخرى.
فقد رأينا كيف تنكرت هذه العواصم للقادة والزعماء العرب، الذين ظلوا يستقبلون فيها استقبال الأبطال، لكن بمجرد ما خرجت شعوبهم تطالب برؤوسهم وعروشهم حتى تنكر لهم «أصدقاؤهم» الأوربيون والغربيون، وعوض أن يساندوهم رأينا كيف ضم هؤلاء الزعماء الأوربيون والغربيون أصواتهم إلى أصوات الشعوب العربية وأصبحوا يطالبون «أصدقاءهم» الزعماء العرب باحترام الإرادة الشعبية.
ولم يكتفوا فقط بإسداء النصح، بل رأينا في حالة العقيد معمر القذافي، الذي كان بعضهم يقبل يديه الملطختين بدماء الليبيين المعارضين، كيف اجتمعوا ضده في مجلس الأمن واستصدروا قرارا يقضي بالإغارة عليه بالطائرات المقاتلة لإسقاطه.
يمكن أن نفهم ترحيب العواصم الأوربية والاتحاد الأوربي وواشنطن ومجلس الأمن بالمبادرة الملكية، لكن أن تصل الأمور بوزرائنا إلى حد الطيران إلى هذه العواصم من أجل شرح مضامين المبادرة والحديث عن مزاياها لوسائل الإعلام الغربية والأوربية، في وقت لم يفتح وزير واحد من هؤلاء فمه لشرح مضامينها للشعب المغربي، فهذا ما يدعو إلى الاستهجان والاستنكار.
عندما عاد محمد الخامس رحمه الله من المنفى سنة 1955 ألقى خطابه التاريخي إلى الشعب، والذي قال فيه جملته الشهيرة: «لقد انتهى عهد الحجر والحماية وبزغ فجر الحرية والاستقلال». فقد كان محمد الخامس يريد أن يعلن عبر هذه الجملة عن مغرب جديد متحرر من قيود الاستعمار وأذنابه.
لكن سنة واحدة بعد ذلك، تحركت الوصاية الاستعمارية الفرنسية لكي تكبل المغرب ببنود اتفاقية «إكس ليبان» سنة 1956، وهي الاتفاقية التي لا تزيدها السنوات إلا رسوخا وسريانا إلى اليوم.
واليوم بعد ستة عقود، يلقي حفيده محمد السادس خطابا تاريخيا يعيد من خلاله السلطة إلى الشعب من خلال استفتائه حول الدستور الذي يريد، فنرى كيف يسارع «وليدات» فرنسا نحو باريس وواشنطن لعرض حيثيات مشروع الإصلاح الدستوري، حتى قبل أن يعرضوها على الشعب المغربي، المعني الأول والأخير بهذا الدستور.
إن هؤلاء الوزراء الذين ذهبوا مهرولين نحن واشنطن وباريس من أجل عرض حيثيات مشروع الإصلاح الدستوري، يجهلون أن المغاربة أولى بعرض هذه الحيثيات عليهم لأنهم هم من سيصوت على هذا الدستور، وإذا قبلوه فليس لأن هذه العواصم أعجبها هذا الدستور، وإذا رفضوه فلن تستطيع واشنطن ولا باريس أن تفرضه عليهم بالقوة.
لقد كنا أول من حيا تضمين الاتحاد الأوربي للخطاب الملكي ضمن الوثائق الرسمية لمجلس الأمن، لأن هذه المبادرة جاءت من طرف الاتحاد الأوربي ولم يسع إليها المغرب، الذي تؤدي وزارة خارجيته من جيوب دافعي الضرائب أتعاب مصاصي الدماء الذين يدعون الدفاع عن مصالحنا في أوربا وأمريكا دون نتائج تذكر. لكننا اليوم سنكون ربما أول من يعبر عن امتعاضه بسبب هذا اللهاث الرسمي وراء شهادات حسن السيرة والسلوك التي يمنحها الأوربيون والأمريكيون لمن يطلبها.
عندما تقرر فرنسا تغيير دستورها أو قوانينها الداخلية أو اتخاذ قرار سيادي فهي لا تأتي إلى الرباط لكي تتشاور معنا حول ما ستقوم به. لذلك فعبارات غزل «ألان جوبي» وزير الخارجية الفرنسي حول مشروع الإصلاح الدستوري بالمغرب، وكون هذه الخطوة ستكون «نموذجا للتطور الإيجابي في المنطقة»، لا يجب أن تعطينا الانطباع بأننا «قطعنا الواد ونشفو رجلينا»، لأن هؤلاء الوزراء والرؤساء الأوربيين المنافقين مستعدون لتغيير كلمات الغزل في تصريحاتهم بعبارات القدح والذم والهجاء بسرعة قياسية.
ثم إن الإصلاح الدستوري في المغرب لم يأت لأن «ألان جوبي» أو «هيلاري كلينتون» طالبا به، بل لأن الشعب المغربي وقواه الحية طالبا به. ولذلك فهذا الإصلاح الدستوري لا يحتاج إلى تشاور ورضا العواصم الأوربية، بل إلى تشاور ورضا الشعب المغربي.
إن المغاربة عندما يعبرون اليوم في الشوارع عن تذمرهم من استحواذ عائلة الفاسي الفهري على مناصب الدولة الحساسة، يعون تماما لمصلحة من يقومون بذلك، فهؤلاء الذين يسيرون الماء والكهرباء والطرق السيارة والتجهيز والقطاعات الصناعية والاستثمارية يعتبرون من طرف الأم فرنسا الأوصياء الأمينين على مصالحها في المغرب.
ولذلك فأول شيء يقوم به «وليدات فرانسا» عندما يفكر المغرب في تغيير دستوره هو الطيران بسرعة نحو الأم فرنسا لإطلاعها على ما يعتزم المغرب القيام به، حتى لا تصاب بالذعر على المصالح الاقتصادية والمالية لأكثر من 600 شركة لديها داخل المغرب.
وهذا طبيعي مادامت مصالح فرنسا الاقتصادية في المغرب أكثر من مصالحنا نحن المغاربة فيه. وهذا ما يفسر «السخانة» التي أصابت ساكن «الإليزي» بمجرد ما بدأت الحركات الاحتجاجية بالمغرب في الفوران أسوة بما يحدث في الشارع العربي. فأكثر الفروع البنكية الفرنسية الموجودة بالخارج هي تلك التي لديها في المغرب، وأكثر فروع الشركات الفرنسية تحقيقا للأرباح السنوية هي تلك الموجودة في المغرب. ولذلك فأي تغيير للدستور والقوانين المغربية يعني فرنسا مباشرة بالضرورة، مما يعني أننا، بعد ستين عاما من الاستقلال، لازلنا خاضعين للحماية الفرنسية بمقتضى بنود اتفاقية «إكس ليبان».
كثيرا ما يذكرني وضع المغرب وفرنسا بحكاية أب لديه ابنان، واحد عاق والآخر بار. وكلما أثار الابن العاق أعصاب الأب يهدد هذا الأخير بتمزيق ورقته من الحالة المدنية. وعندما يبلغ الأب ذروة من الغضب تجعله يخرج دفتر الحالة المدنية لتمزيق الورقة يرتمي الابن البار على قدميه ويشرع في تقبيلهما طالبا الصفح لأخيه.
وذات يوم والابن البار يتوسل إلى والده لكي لا يمزق ورقة أخيه من الحالة المدنية، سأله الأب مستغربا كيف يتوسل إليه أن لا يمزق ورقة أخيه العاق، بينما هذا الأخير غير مهتم وكأن الأمر لا يعنيه. فقال له الابن البار متحسرا:
-«راني مقيد معاه فاللور ديال الورقة آ الواليد».
إن أكثر الناس حرصا على الاستقرار في المغرب هم الفرنسيون، لأن أي اضطراب في الوضع السياسي سيؤدي إلى اضطرابات في الوضع الاقتصادي، وبالتالي ستتضرر مصالحهم بشكل كبير، أي أنهم ببساطة «مقيدين معانا فاللور ديال الورقة اللي فالحالة المدنية».
والحل الوحيد لكي تصبح للمغاربة حالتهم المدنية المنفصلة عن فرنسا هو أن يفهم من يحكمونهم أن المغرب يجب أن يتحرر من هيمنة فرنسا ووصايتها على اقتصاده وقراره السياسي.
ولذلك عوض أن يذهب كل هؤلاء الوزراء إلى فرنسا لكي يشرحوا حيثيات الإصلاح الدستوري المنتظر، كان عليهم أن يذهبوا إلى ساركوزي ويشرحوا له حيثيات الكارثة الأمنية المنتظرة التي يعيشها تسعون ألف مغربي في ليبيا التي تقصفها طائراته المقاتلة. ولعلم هؤلاء الوزراء، فقد مات إلى حدود اليوم نتيجة هذا القصف ثلاثة مغاربة.
ولو كان الأمر يتعلق بمواطنين فرنسيين لقامت القيامة في فرنسا، لكن بما أن الأمر يتعلق بـ«المروك كحل الراس» فلا مشكلة في أن يموتوا في القصف أو على يد العقيد القذافي.
وبالنسبة لوزارة الخارجية فهي تعتقد أن تشكيل لجنة من ثلاثة موظفين تابعين لوزارة الهجرة يأتون إلى مقر الخارجية على الساعة الحادية عشرة ويغادرون على الساعة الواحدة كاف لكي تقنع نفسها بأنها قامت بواجبها إزاء هؤلاء المهاجرين المنكوبين.
هذه هي مشكلتنا نحن المغاربة، نعطي الأسبقية والأولوية «للبراني» ونحتقر بعضنا البعض.
وفي اليوم الذي سنقلع فيه عن هذه العادة المغربية الخالصة سنكون قد تغيرنا بالفعل.
وبينما تكفل الطيب الفاسي الفهري ببيع جلد الدب للأمريكيين حتى قبل اصطياده، رأينا كيف ذهب أربعة وزراء مغاربة آخرين إلى باريس لكي يبيعوا السمك في البحر لنيكولا ساركوزي.
إنها لمهزلة حقيقية أن يسارع كل هؤلاء الوزراء إلى «بيع» مشروع الدستور المقبل للأوربيين والأمريكيين حتى قبل أن يتوصل رئيس اللجنة باقتراحات الأحزاب السياسية حول الإصلاحات الدستورية المنتظرة، وحتى قبل أن تشرع اللجنة في التشاور مع ممثلي الشعب وقواه الحية، أي المعنيين الأصليين بهذا الدستور الجديد. «حتى يزيد وسميه سعيد».
هذا التسرع من جانب المغرب الرسمي لتسويق بضاعة لم تظهر في السوق بعد، يعكس في الواقع استفحال عقدة الأجنبي لدى من يحكمونا، وعدم استيعابهم بعد للمتغيرات التي تحدث حولهم في العالم العربي.
وإذا كان هناك من درس يجب استخلاصه مما حدث في تونس ومصر، ومما يحدث في ليبيا والأردن وسوريا واليمن، فهو أن أول وآخر من يجب الاحتكام إلى رأيه والتشاور معه حول الدستور الذي يجب أن يكون لديه هو الشعب وقواه الحية، وليس باريس أو واشنطن أو أي عاصمة أوربية أو غربية أخرى.
فقد رأينا كيف تنكرت هذه العواصم للقادة والزعماء العرب، الذين ظلوا يستقبلون فيها استقبال الأبطال، لكن بمجرد ما خرجت شعوبهم تطالب برؤوسهم وعروشهم حتى تنكر لهم «أصدقاؤهم» الأوربيون والغربيون، وعوض أن يساندوهم رأينا كيف ضم هؤلاء الزعماء الأوربيون والغربيون أصواتهم إلى أصوات الشعوب العربية وأصبحوا يطالبون «أصدقاءهم» الزعماء العرب باحترام الإرادة الشعبية.
ولم يكتفوا فقط بإسداء النصح، بل رأينا في حالة العقيد معمر القذافي، الذي كان بعضهم يقبل يديه الملطختين بدماء الليبيين المعارضين، كيف اجتمعوا ضده في مجلس الأمن واستصدروا قرارا يقضي بالإغارة عليه بالطائرات المقاتلة لإسقاطه.
يمكن أن نفهم ترحيب العواصم الأوربية والاتحاد الأوربي وواشنطن ومجلس الأمن بالمبادرة الملكية، لكن أن تصل الأمور بوزرائنا إلى حد الطيران إلى هذه العواصم من أجل شرح مضامين المبادرة والحديث عن مزاياها لوسائل الإعلام الغربية والأوربية، في وقت لم يفتح وزير واحد من هؤلاء فمه لشرح مضامينها للشعب المغربي، فهذا ما يدعو إلى الاستهجان والاستنكار.
عندما عاد محمد الخامس رحمه الله من المنفى سنة 1955 ألقى خطابه التاريخي إلى الشعب، والذي قال فيه جملته الشهيرة: «لقد انتهى عهد الحجر والحماية وبزغ فجر الحرية والاستقلال». فقد كان محمد الخامس يريد أن يعلن عبر هذه الجملة عن مغرب جديد متحرر من قيود الاستعمار وأذنابه.
لكن سنة واحدة بعد ذلك، تحركت الوصاية الاستعمارية الفرنسية لكي تكبل المغرب ببنود اتفاقية «إكس ليبان» سنة 1956، وهي الاتفاقية التي لا تزيدها السنوات إلا رسوخا وسريانا إلى اليوم.
واليوم بعد ستة عقود، يلقي حفيده محمد السادس خطابا تاريخيا يعيد من خلاله السلطة إلى الشعب من خلال استفتائه حول الدستور الذي يريد، فنرى كيف يسارع «وليدات» فرنسا نحو باريس وواشنطن لعرض حيثيات مشروع الإصلاح الدستوري، حتى قبل أن يعرضوها على الشعب المغربي، المعني الأول والأخير بهذا الدستور.
إن هؤلاء الوزراء الذين ذهبوا مهرولين نحن واشنطن وباريس من أجل عرض حيثيات مشروع الإصلاح الدستوري، يجهلون أن المغاربة أولى بعرض هذه الحيثيات عليهم لأنهم هم من سيصوت على هذا الدستور، وإذا قبلوه فليس لأن هذه العواصم أعجبها هذا الدستور، وإذا رفضوه فلن تستطيع واشنطن ولا باريس أن تفرضه عليهم بالقوة.
لقد كنا أول من حيا تضمين الاتحاد الأوربي للخطاب الملكي ضمن الوثائق الرسمية لمجلس الأمن، لأن هذه المبادرة جاءت من طرف الاتحاد الأوربي ولم يسع إليها المغرب، الذي تؤدي وزارة خارجيته من جيوب دافعي الضرائب أتعاب مصاصي الدماء الذين يدعون الدفاع عن مصالحنا في أوربا وأمريكا دون نتائج تذكر. لكننا اليوم سنكون ربما أول من يعبر عن امتعاضه بسبب هذا اللهاث الرسمي وراء شهادات حسن السيرة والسلوك التي يمنحها الأوربيون والأمريكيون لمن يطلبها.
عندما تقرر فرنسا تغيير دستورها أو قوانينها الداخلية أو اتخاذ قرار سيادي فهي لا تأتي إلى الرباط لكي تتشاور معنا حول ما ستقوم به. لذلك فعبارات غزل «ألان جوبي» وزير الخارجية الفرنسي حول مشروع الإصلاح الدستوري بالمغرب، وكون هذه الخطوة ستكون «نموذجا للتطور الإيجابي في المنطقة»، لا يجب أن تعطينا الانطباع بأننا «قطعنا الواد ونشفو رجلينا»، لأن هؤلاء الوزراء والرؤساء الأوربيين المنافقين مستعدون لتغيير كلمات الغزل في تصريحاتهم بعبارات القدح والذم والهجاء بسرعة قياسية.
ثم إن الإصلاح الدستوري في المغرب لم يأت لأن «ألان جوبي» أو «هيلاري كلينتون» طالبا به، بل لأن الشعب المغربي وقواه الحية طالبا به. ولذلك فهذا الإصلاح الدستوري لا يحتاج إلى تشاور ورضا العواصم الأوربية، بل إلى تشاور ورضا الشعب المغربي.
إن المغاربة عندما يعبرون اليوم في الشوارع عن تذمرهم من استحواذ عائلة الفاسي الفهري على مناصب الدولة الحساسة، يعون تماما لمصلحة من يقومون بذلك، فهؤلاء الذين يسيرون الماء والكهرباء والطرق السيارة والتجهيز والقطاعات الصناعية والاستثمارية يعتبرون من طرف الأم فرنسا الأوصياء الأمينين على مصالحها في المغرب.
ولذلك فأول شيء يقوم به «وليدات فرانسا» عندما يفكر المغرب في تغيير دستوره هو الطيران بسرعة نحو الأم فرنسا لإطلاعها على ما يعتزم المغرب القيام به، حتى لا تصاب بالذعر على المصالح الاقتصادية والمالية لأكثر من 600 شركة لديها داخل المغرب.
وهذا طبيعي مادامت مصالح فرنسا الاقتصادية في المغرب أكثر من مصالحنا نحن المغاربة فيه. وهذا ما يفسر «السخانة» التي أصابت ساكن «الإليزي» بمجرد ما بدأت الحركات الاحتجاجية بالمغرب في الفوران أسوة بما يحدث في الشارع العربي. فأكثر الفروع البنكية الفرنسية الموجودة بالخارج هي تلك التي لديها في المغرب، وأكثر فروع الشركات الفرنسية تحقيقا للأرباح السنوية هي تلك الموجودة في المغرب. ولذلك فأي تغيير للدستور والقوانين المغربية يعني فرنسا مباشرة بالضرورة، مما يعني أننا، بعد ستين عاما من الاستقلال، لازلنا خاضعين للحماية الفرنسية بمقتضى بنود اتفاقية «إكس ليبان».
كثيرا ما يذكرني وضع المغرب وفرنسا بحكاية أب لديه ابنان، واحد عاق والآخر بار. وكلما أثار الابن العاق أعصاب الأب يهدد هذا الأخير بتمزيق ورقته من الحالة المدنية. وعندما يبلغ الأب ذروة من الغضب تجعله يخرج دفتر الحالة المدنية لتمزيق الورقة يرتمي الابن البار على قدميه ويشرع في تقبيلهما طالبا الصفح لأخيه.
وذات يوم والابن البار يتوسل إلى والده لكي لا يمزق ورقة أخيه من الحالة المدنية، سأله الأب مستغربا كيف يتوسل إليه أن لا يمزق ورقة أخيه العاق، بينما هذا الأخير غير مهتم وكأن الأمر لا يعنيه. فقال له الابن البار متحسرا:
-«راني مقيد معاه فاللور ديال الورقة آ الواليد».
إن أكثر الناس حرصا على الاستقرار في المغرب هم الفرنسيون، لأن أي اضطراب في الوضع السياسي سيؤدي إلى اضطرابات في الوضع الاقتصادي، وبالتالي ستتضرر مصالحهم بشكل كبير، أي أنهم ببساطة «مقيدين معانا فاللور ديال الورقة اللي فالحالة المدنية».
والحل الوحيد لكي تصبح للمغاربة حالتهم المدنية المنفصلة عن فرنسا هو أن يفهم من يحكمونهم أن المغرب يجب أن يتحرر من هيمنة فرنسا ووصايتها على اقتصاده وقراره السياسي.
ولذلك عوض أن يذهب كل هؤلاء الوزراء إلى فرنسا لكي يشرحوا حيثيات الإصلاح الدستوري المنتظر، كان عليهم أن يذهبوا إلى ساركوزي ويشرحوا له حيثيات الكارثة الأمنية المنتظرة التي يعيشها تسعون ألف مغربي في ليبيا التي تقصفها طائراته المقاتلة. ولعلم هؤلاء الوزراء، فقد مات إلى حدود اليوم نتيجة هذا القصف ثلاثة مغاربة.
ولو كان الأمر يتعلق بمواطنين فرنسيين لقامت القيامة في فرنسا، لكن بما أن الأمر يتعلق بـ«المروك كحل الراس» فلا مشكلة في أن يموتوا في القصف أو على يد العقيد القذافي.
وبالنسبة لوزارة الخارجية فهي تعتقد أن تشكيل لجنة من ثلاثة موظفين تابعين لوزارة الهجرة يأتون إلى مقر الخارجية على الساعة الحادية عشرة ويغادرون على الساعة الواحدة كاف لكي تقنع نفسها بأنها قامت بواجبها إزاء هؤلاء المهاجرين المنكوبين.
هذه هي مشكلتنا نحن المغاربة، نعطي الأسبقية والأولوية «للبراني» ونحتقر بعضنا البعض.
وفي اليوم الذي سنقلع فيه عن هذه العادة المغربية الخالصة سنكون قد تغيرنا بالفعل.