مغربية

صورة anonymous

أصدقاؤنا الأمريكيون


رشيد نيني 04 / 04 / 2011


يوما عن يوم يتضح أكثر الهدف الأمريكي من التواجد في ليبيا، فقد اعترفت الإدارة الأمريكية بإرسالها عملاء سريين من وكالة الاستخبارات المركزية(CIA) إلى ليبيا لفحص هوية الثوار وتوجيه الهجمات الجوية.

ويبدو أن البيت الأبيض لا يريد أن يعيد تكرار الخطأ السياسي الفادح نفسه، الذي ارتكبه خلال الثمانينيات عندما سلح الأفغان وساعدهم في حربهم الطويلة مع الروس. وفي الأخير عندما انتصر الأفغان على العدو الروسي، اضطر البيت الأبيض إلى الذهاب إلى أفغانستان للقضاء على من أسماهم «الإرهابيين»، الذين كان يسميهم في إعلامه «المجاهدين» عندما كانوا يحاربون عدوه الروسي اللدود بالوكالة.

اليوم يريد البيت الأبيض التحقق من هويات الثوار قبل تسليحهم، حتى لا يغامر بتسليح القاعدة دون أن يدري، فيدير هؤلاء الثوار الأسلحة الأمريكية الصنع في وجه الأمريكيين وحلفائهم، الذين يبدو أنهم يستعدون للاستقرار في ليبيا بعد الإطاحة بالعقيد القذافي.

كثيرون تساءلوا عن سبب إهدار الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين لكل هذه الميزانيات من أجل التواجد فوق الأرض الأفغانية الجرداء وصعبة التضاريس.

الجواب نشرته جريدة متخصصة في الأخبار العلمية المتعلقة بالاكتشافات المعدنية، من خلال خبر صغير حول أفغانستان لم ينتبه إليه كثيرون. يتعلق الأمر باكتشاف مخزون هائل في باطن الأرض الأفغانية من المعادن النفيسة، أهمها الذهب والفضة والنحاس والحديد.

إذن، فهذه البلاد التي لا تنمو فيها ولا تزدهر سوى زراعة الأفيون، هذه البلاد التي اشتهرت بفقرها وقسوة طبيعتها واحتراف أهلها الحروب كمهنة أبدية، ليست بلادا فقيرة في نهاية المطاف، بل هي إحدى أغنى بلدان العالم بفضل ثرواتها المعدنية الطبيعية المندسة تحت جبالها الوعرة.

والاكتشاف العلمي الأخير يكشف الوجه الحقيقي للوجود الأمريكي المكلف في أفغانستان، فمحاربة الإرهاب وطالبان ليست سوى ذرائع للتواجد في هذه المنطقة الغنية بالمعادن النفيسة وإحكام السيطرة عليها لتحريك العجلة الصناعية الأمريكية، ومجابهة المنافسة الآسيوية التي تقودها الصين وبقية الدول ذات الاقتصاديات الناهضة.

لقد كشفت الأيام أن الاحتلال الأمريكي للعراق لم يكن بغاية حماية العالم من أسلحة الدمار الشامل، التي صنعها صدام حسين، بل فقط لتقسيم العراق من أجل السيطرة على مصادر النفط والغاز فيه. فالمنطقة الوحيدة الآمنة في العراق، التي لا تسمح أمريكا بالاقتراب منها، هي مناطق حقول البترول والغاز.

وبإحكامها السيطرة، عسكريا وسياسيا، على أهم مصدر لإنتاج البترول وأكبر احتياطي معادن في العالم تكون أمريكا قد أحكمت قبضتها على مفتاحين مهمين من مفاتيح المستقبل.

ولعل المجهود الكبير الذي يبذله البيت الأبيض عبر إعلامه والسينما المجندة لخدمته، التي يتحكم فيها اللوبي الصهيوني الموالي لإسرائيل، هو كيف يغلف هذا الوجود الاستعماري فوق أراضي الغير بغلاف الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان من أجل تضليل الرأي العام العالمي وإبعاده عن التفكير في الأسباب الاقتصادية الحقيقية لتواجده في العراق وأفغانستان وفي ليبيا اليوم، هذا التواجد العسكري الذي يباركه الرؤساء، الذين يأتي بهم الجيش الأمريكي فوق الدبابات لكي ينصبهم فوق كراسي الحكم، مثلما وقع مع المالكي في بغداد بعد سقوطها واحتلالها، أو مثلما وقع في كابول عندما نصب البيت الأبيض «كرزاي».

الأمريكيون ليس لديهم أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، وإنما مصالح دائمة. وعندما يشعرون بأن «رجلهم» في منطقة ما احترق، فإنهم يسارعون إلى نفضه مثل أعواد الثقاب المحترقة.

إنها اللعبة الأمريكية في أفغانستان تتكرر اليوم في ليبيا، مع تغيير بسيط في الأسماء والتواريخ والأمكنة.

فعندما كانت مصلحة أمريكا تقتضي التحالف مع الأفغان لتكسير مخالب الدب الروسي الأحمر، أطلق الإعلام الأمريكي لقب «المجاهدين» على المقاتلين الأفغان، وطلبت الإدارة الأمريكية من الدول العربية الحليفة أن تشجع مواطنيها الراغبين في الذهاب إلى جهاد الكفار الروس الملحدين على التوجه نحو أفغانستان.

ولعل من كان يرتاد المساجد المغربية في تلك الفترة يتذكر كيف كان الدعاء بالنصر للمجاهدين الأفغان يتم بشكل منتظم في كل المساجد عقب صلاة الجمعة. فالمغرب الرسمي كان ينسق آنذاك مع الولايات المتحدة الأمريكية بوصفه حليفا مميزا، من أجل تشجيع المغاربة على الذهاب للجهاد في أفغانستان. وقد نجحت الخطة الأمريكية واستطاعت الآلة الإعلامية الرسمية إقناع المئات من المغاربة بالتطوع للجهاد في أفغانستان. فقد كانت نشرات الأخبار في قناة البريهي تبدأ بصور المجاهدين الأفغان وهم يتسلقون الجبال ويترصدون الدبابات، معطية صورة إيجابية عن الجهاد في سبيل الله.

كما تسربت إلى الأسواق أشرطة فيديو مصورة تسجل عمليات مداهمة المجاهدين الأفغان لدبابات الروس، ونجاحهم في سحق الدب الأحمر بأسلحة بدائية وتقليدية. وبالموازاة مع ذلك، خاضت «هوليوود» ووسائل الإعلام الأمريكية حملة لتلميع صورة المجاهدين الأفغان وتقديمهم كمقاتلين من أجل الحرية يتعرضون لحرب إبادة من طرف الشيوعيين. والواقع أن الانتصارات التي حققها المجاهدون الأفغان ضد الجيش الروسي لم تكن لتحدث بدون تجهيز المجاهدين بصواريخ «شتينغر» المضادة للطائرات، فأصبحت الطائرات الروسية تتهاوى تحت قاذفات الصواريخ المحمولة فوق أكتاف المقاتلين الأفغان مثل البعوض في الأودية السحيقة. وتحققت المعجزة، وانتصر المجاهدون العزل على أكبر وأقوى جيش في التاريخ. لكن عندما اقتضت المصلحة الأمريكية القضاء على هؤلاء المجاهدين، حولتهم بسرعة في إعلامها وعبر آلة «هوليوود» الجهنمية إلى إرهابيين. وتحول المجاهدون إلى طالبان، وجاءت هذه المرة طائرات الـ«بي 25» لكي تدك بقنابلها العملاقة أجواف الجبال نفسها التي تساقطت فوقها الطائرات الروسية، فوقع لطالبان مثلما وقع لصدام حسين عندما كان يقاتل إيران لحساب أمريكا والدول العربية النفطية، فعندما اقتضت مصلحة هؤلاء دعم العراق قدمت له الدول الأوربية وأمريكا المال والسلاح. فالجميع كان يريد إيقاف الخطر الشيعي وفكرة تصدير الثورة التي نادى بها الخميني. وحتى عندما استعمل صدام غازات محظورة دوليا في الحرب ضد إيران، صمت الجميع لأن الغاية تبرر الوسيلة.

وعندما اقتضت مصلحة أمريكا إسقاط صدام حسين من عرشه، اجتاحت القوات الأمريكية العراق، بمساندة الحلفاء وبمباركة من جيران صدام، الذين كانوا يرتجفون خوفا منه ومن بطشه، فاعتقلوه وأخرجوه من الحفرة التي كان يختفي داخلها وضربوه وأهانوه وقدموه لمحاكمة هزلية قبل أن يسلموه إلى ألد خصومه لكي يشنقوه يوم عيد الأضحى أمام أنظار العالم، حتى يكون عبرة لمن لا يعتبر.

ولعل الجميع يتذكر كيف استقبلت هيلاري كلينتون ابن العقيد القذافي في البيت الأبيض استقبال الأبطال.. وكيف ظل طوني بلير يشتغل كموظف صغير لمصلحة القذافي مقابل راتب وعمولات.. وكيف قبل برلسكوني يد القذافي بأدب بالغ، مقدما للشعب الليبي اعتذار الشعب الإيطالي عن سنوات الاحتلال.. وكيف اعتذرت سويسرا للقذافي بسبب تطبيقها القانون واعتقالها ابنه الذي عذب خادمه المغربي وضرب زوجته. ورأينا كيف استقبل ساركوزي العقيد القذافي في باريس في اليوم العالمي لحرية التعبير، وكيف أقفلت الجمهورية عيونها عن جرائم العقيد من أجل حفنة من الصفقات وبراميل النفط.

واليوم يجتمع كل هؤلاء الذين وقعوا صفقات مع القذافي من أجل الإطاحة به وطرده من ليبيا وتسليم البلد للثوار الذين يسلحهم ويدربهم عملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية.

سيكون صعبا علينا أن نقتنع بأن كل هذه «التضحيات» التي تقوم بها أمريكا ليست وراءها سوى مصلحة الشعب الليبي والشعب الأفغاني والشعب العراقي، إلا إذا كان الأمريكيون يعتقدون بأننا أغبياء إلى هذا الحد. وهذه حكاية أخرى.